كنسمات الصيف العابرة ...
كذرات القطن التي تمطرها السماء أيام الشتاء ..
كأوراق الخريف الملونة الزاهية ..
وكبراعم زهرة الربيع ...
كانت همساتهم .. ضحكاتهم .. ودموعهم
امتزجت مشكلة سيمفونية الحياة
بكل عذوبتها وقسوتها وبكل ماحوته مكوناتها الفريدة
اجتمع قلبيها واختلط دمهما .. لتبدأ قصتهما معها
تتحدى عواصف الشتاء وهجير الصيف وسطوة الزمن القاسي
فهل سينصفهما القدر ؟.. أم أنه سيخوض بهما وبنا عباب البحر
ونحارب أمواجه لنصل لشاطيء الحياة ..
اليابان | أوساكا | 15- 5 - 1433م
تراقصت تلك البتلات الزهرية في الهواء على أنغامها الجميلة
والتي امتزجت عذوبتها بمشاعر اختلجت روحها النقية الصافية
بينما كفها الناعمة تمسح على وليدها الذي لايزال يرقد في أحشائها ...
ذلك القرص المشع الذي تصدر السماء أطلق العنان لخيوطه الذهبية
لتنعكس على عينيها البندقيتين وتزيد من بريقهما الأخاذ
وخصلات شعرها الأبنوسي تتراقص مع تلك النسمات العليلة التي انبعثت في الأرجاء
مضيفة على ذلك الجمال سحراً جديداً ...
نطق ثغرها بينما عيناها تطوفان تلك البقعة الواسعة تملأها الحقول المتنوعة الأشكال والأحجام :
|| أترى حبيبي .. هناك يعمل والدك وجدك .. وجميع من في قريتنا الصغيرة
يعمل بجد ليحصد خيرات الربيع ..
حينما تكبر .. ستعمل معهم ايضاً .. أليس كذلك ؟ ||
رسمت ابتسامتها الجميلة على شفتيها بينما القت بصرها على جنينها
وأخذت تقص له حكاياها الجميلة كعادتها .. وتروي أمنياتها ...
في الجانب الآخر ... كانت عيناه ترقبانها وتلك الابتسامة السعيدة لاتفارقه
ناداه ذلك الرجل العجوز بنبرة متذمرة : عد الى عملك وكفاك لهواً
التفت له بفزع ليقول بسرعة : آه بأمرك
عاد يعمل بسرعة من جديد .. ورغم ذلك ..
لم يتمكن من منع عيناه من الالتفات لزوجته الحبيبة بين الحين والآخر ليطمئن عليها
بينما كانت النسوة تثرثرن كعادتهن بينما يعملن بأحاديث شتى
ألقت احداهن بصرها نحوه لتتنهد بيأس وتقول بابتسامة عريضة :
يبدو أنه سيُوبخ للمرة العاشرة هذا اليوم .. لاينفك عن التحديق بها
أجابتها أخرى بينما تحمل تلك السلة الكبيرة المليئة بحبات البطاطا الطازجة :
لا أعلم مالذي يخشاه وهي تجلس على مقربة منا .. وكأنما تحيط بها الوحوش
ضحكت كلتاهما لتعودا للعمل من جديد وهما تتسامران
لم تكن احداهن لتمل من الثرثرة وقد أصبح ذلكما المسكينان حديثهن
هبت الريح قوية لوهلة .. وحركت معها اأغصان الشجر
واذا بتلك الزهور الربيعية الزاهية تتناثر عليها بصورة بديعة
رفعت رأسها لتنظر لها بابتسامة سعيدة وقد مدت يدها علها تلتقط شيئاً منها
توقفت الرياح تدريجياً وقد سكنت الأصوات في تلك الفترة القصيرة
ليعود الجميع لضجيجهم من جديد وأحاديثهم التي لاتنتهي
بينما كانت تحدق بيدها بدهشة أتبعتها بابتسامتها الجميلة
لتضع زهرتي الكرز اللتان سقطتا بكفها في منديلها بسرعة
خبئت المنديل بجيب ثوبها ونهضت بثقل وهي تستند للشجرة
نظرت ناحية الحقول من جديد وألقت ببصرها على زوجها الذي كان بدوره ينظر لها
لتتلاقى عينيهما وكل يبتسم للآخر بسعادة وكأنما يحكي له عن أحواله في تلك اللحظة
فجأة .. انقبضت أحشائها وأحست بالألم يمزقها
أغمضت عينيها بقوة بينما تضع يدها على بطنها ..
لتئن بعدها محاولة كتمان تلك الآلام المفاجئة التي اعترتها
بينما كان ينظر لها بتساؤل وقلق .. وماان رآها تجثو على الأرض حتى القى بما في يده
وأسرع نحوها تتبعه نظراتهم القلقة لتقول احدى النساء : مالذي يجري ؟
أجابتها أخرى ببرود : أظنها مُشرفة على الولادة ..
نظرت لها بدهشة وتساؤل وهي تقول : وهل أتمت شهور حملها ؟
التفتت لها الأخرى من جديد نظراتها المعتادة لتقول بعد صمت قصير : أظن ذلك
واذا بصوته يقاطعهما : ليساعدني أحدكم .. آريا تلد !!
نظرت كلتاهما له بدهشة لتسرعا بعدها مع البقية ليقدموا يد العون
صوت خطواته قطع ذلك الصمت الذي ساد الأجواء
والقلق يجتاح صدره كما السهام توشك ان تخترق قلبه
بينما كانت عيناه ترقبان ذلك الباب بين الفينة والأخرى
تنفس الصعداء محاولاً الهدوء دونما فائدة
فصوت صراخها وأنينها يضج مسامعه فتضطرب دقات قلبه أكثر فأكثر
ومع كل لحظة تمر عليه يزداد ذلك الشعور المختلط المشوش بداخله
مضت ساعات وهو على هذه الحال حتى جائه صوت ذلك العجوز
محاولاً محو بعضٍ من ذلك القلق والخوف الذي تملكه
- لاتقلق ستكون بخير .. ليست أول امرأة تلد
أجابه بقلق شديد : أعلم هذا لكنه ابننا الأول كما أن جسدها ضعيف .. قلق عليها .. أخشى ...
قطع حديثه صوت بكاء الطفل الذي بدا لهما جلياً من تلك الغرفة
التفت الى الباب بسرعة ودقات قلبه تتسارع كما لو كان يجري لأميال
فتح الباب ليحاول الدخول لولا تلك المرأة السمينة التي اوقفته معارضة
- ماذا تريد .. لم ينته الأمر بعد
قالتها بحدة مخيفة ليقول لها معارضاً باستياء :
ماذا تقصدين لقد أنجبت ابني وأنا زوجها وأريد الاطمئنان عليها لايمكنكِ منعي
أجابته ببرود ونظراتٍ شرسة : لن تفعل فلم ينته الأمر بعد هيا اخرج اخرج
واخرجته لتغلق الباب خلفه بينما كان ينظر باستياء شديد
- هذا ليس عدلاً أنا زوجها .. لا يحق لهذه الشمطاء منعي
ربت العجوز على كتفه مواسياً ليستمر انتظارهما فترة أخرى بقي فيها بحال أشد مما مضى
فالحيرة التي اعترته والهواجس التي انتابته أرهقت قلبه وعقله
ليسمع صوت بكاء طفل من جديد ..
نظر بدهشة للغرفة دون ان يعي مايحدث ..وماهي الا لحيظات حتى خرجت تلك السيدة من جديد وهي تقول بانتصار : الآن بامكانك الدخول
أسرع نحو الغرفة دونما تفكير ليدخلها بلهفة
رمقته بنظراتها المتعبة ووجهها الشاحب بينما تزين شفتيها ابتسامتها الجميلة
وقد احتضنت رضيعتيها بحنان تسندها احدى السيدات معينة لها على الجلوس
اقترب والذهول يغلف تعابيره الهادئة ليقول دونما وعي : طفلان ؟!!
اومأت له بالايجاب ولما تزال تبتسم بسعادة رغم إعيائها لتقول بصوت متعب :
||فتاتان جميلتان ||
أجابها ولا يزال على حاله تلك : فتا..تان ؟!!
أومأت له بالايجاب مجددأ بسرور
كرر سؤاله من جديد عدة مرات ليبتسم بعدها بسعادة غامرة ويجلس أمامها وهو يتأملهما
ويقول بحب وحنان : مرحباً بكما .. مرحباً طفلتاي .. آريا أصبح لدينا ابنتان في مرة واحدة
ضحكت بلطف على مظهره الطفولي لتستلقي بعدها بتعب بمعونة من تلك السيدة
بينما أخذت أخرى الطفلتين ليقوموا بتجهيزهما وتحميمهما وعيناه لاتزالان ترقبهما بسرور
نظر بعدها لزوجته ليقول بحب وحنان بينما يمسك كفها :
- شكراً لكِ آريا .. قمتِ بعمل عظيم حقاً .. حمداً لله على سلامتكِ
نظرت له بذبول وابتسامة ممتنة بينما تغمض عينيها تدريجياً
لتغفو سريعاً وقد غلف الارهاق ملامح وجهها الجميل
غطاها جيداً ليقبل بعدها جبينها ويتأملها بارتياح ....